هندسة التأثير.. ماذا؟ ولماذا؟
|
على الحمادي |
الحلقة الأولى :
د. علي الحمادي
ما الذي نريده من هندسة التأثير؟ ولماذا هذا الموضوع من
الأهمية بمكان، ولا يمكن للعقلاء الاستغناء
عنه؟
هندسة التأثير هي أن يكون لك دور ريادي في هذه الحياة.. هي أن تكون
فاعلاً
في حركة الحياة وقيادة المستقبل.. هي أن تكون
شيئاً نافعاً في دنيا
الناس... هي أن تضيف شيئاً حديثاً إلى هذه
الحياة، إذ من لم يزد شيئاً في
الدنيا فهو زائد عليها.
نريد من هندسة الحياة وصناعة التأثير أن تكون
رقماً صعباً لا يُستهان به،
وألا يكون حالك كحال من ذكرهم القائل حين قال:
ويُقضى الأمر حين تغيب تيم
ولا يُستأذنون وهم شهود
ونريد من هندسة الحياة أن تكون قائداً
فذاً تقود الآخرين وتؤثر فيهم وتكون
لهم إماماً في الخير، تأسياً بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حين وصفه
الله تعالى فقال:
إن
إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين
(120)
(النحل)120)، واستجابة لدعاء المؤمنين الذين قال الله فيهم:
والذين
يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
74
(الفرقان).
وأخيراً... نريد من هندسة الحياة وصناعة التأثير أن تترك بصماتك في هذا
الكون، وأن تخلف لك أثراً وذكراً عطراً
جميلاً ينفعك في الدنيا والآخرة، إذ
لكل إنسان وجود وأثر، ووجوده لا يغني عن
أثره، ولكن أثره يدل على قيمة
وجوده.
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثواني
فاصنع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثاني
وصدق الله تعالى إذ يقول: إن
إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين
120
شاكرا لأنعمه \جتباه وهداه إلى" صراط مستقيم
121
وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين
122
(النحل). فقد وصف الله تعالى إبراهيم عليه السلام بخمس صفات في هذه
الآيات،
تشير إلى رفعة شأنه وعلو منزلته، أولاها: أنه
كان
أمة،
أي يعدل أمة كاملة في صفات الخير
والإحسان، كأنه جمع الفضائل والمحاسن التي
تجتمع في الاسم، وثانيتها: أنه كان
قانتا
لله،
وثالثتها: أنه كان حنيفا
غير مشرك بالله، ورابعتها: أنه كان
شاكرا
لأنعمه
أما الخامسة: فهي اصطفاؤه للنبوة والرسالة
\جتباه
وهداه إلى" صراط مستقيم 121
أي اختاره الله لخلته واصطفاه لنبوته وهداه إلى طريق الحق دين الإسلام.
وبمقابل هذه الصفات العالية الرفيعة التي اتصف بها الخليل إبراهيم عليه
أفضل الصلاة والتسليم جعل الله له المحبة في قلوب
العباد، وأبقى له الذكر
الحسن والمقام الرفيع في العالمين
وآتيناه
في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين
122.
يقول أحمد شوقي:
وآثار الرجال إذا تناهت
إلى التاريخ خير الحاكمينا
لماذا ندعو أنفسنا إلى هندسة الحياة وصناعة
التأثير؟ وما الذي يدعونا
للمطالبة بأن يكون الإنسان رقماً صعباً
وقائداً فذاً رغم أن هذا المطلب له
تبعاته وضريبته؟ إن الذي يدعونا لذلك هو ما يلي:
1 استجابة لأمر الله تعالى الذي يريد من المؤمنين ألا يكونوا عالة على
غيرهم، والذي يأمرهم بالعمل والاجتهاد حيث يقول تعالى:
وقل
\عملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى" عالم الغيب
والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
105
(التوبة)، ويقول تعالى: فاستبقوا
الخيرات
(المائدة:48).
وفي هذا يقول القائل:
اعزم وكد فإن مضيت فلا تقف
واصبر وثابر فالنجاح محقق
ليس الموفق من تواتيه المنى
لكن من رزق الثبات موفق
2 لأن القائد المؤثر "إن كان مخلصاً لله تعالى" أعظم درجة وأجل منزلة عند
الله تعالى من الذي اكتفى بنفسه واشتغل بعبادته ولم يلتفت إلى غيره.
يقول إبراهيم بن سعيد الجوهري: قلت لأبي أسامة: أيهما أفضل: الفضيل بن عياض
أم أبوإسحاق الفزاري؟ فقال: كان فضيل رجل
نفسه، وكان أبوإسحاق رجل عامة.
وسئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقيل له: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب
إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ قال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو
لنفسه،
وإذا تكلم في أهل البدع، فإنما هو للمسلمين وهذا أفضل.
ويقول الإمام شمس الدين الذهبي: فالقادة الأعلام.. يوم من أيام أحدهم أكبر
من عمر آحاد من الناس.
وصدق المتنبي حينما قال:
وكيف لا يُحسد امرؤٌ علم
له على كل هامة قدم
3 لعمارة الدنيا بما هو خير لها، وذلك بقيادة الإصلاح فيها وليس بالانغماس
في ملذاتها وشهواتها.
وفي هذا يقول الله تعالى موجهاً نبيه داود عليه السلام:
يا
داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى"
فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا
يوم الحساب 26
(ص).
وصدق سيد قطب رحمه الله حينما قال: "فبهولاء القادة تجري سنة الله في تحقيق
منهج الله لتنفض ركام الجاهلية عن الفطرة، فهم قدر الله لإعلاء كلمته وتسلم
منهجه الزمام".
4 لتحقيق الذات، وهو من طبائع الفطر لدى
البشر، فكل إنسان يود أن يكون شيئاً له قيمته ووزنه بين
الناس، فإذا كان ذلك وفق ما يحب الله ويرضاه ووفق
ما ينفع البشر ويحقق لهم خيري الدنيا والآخرة فيكون الإنسان قد حقق
ذاته،
وأرضى ربه ونفع أمته.
الحلقة الثانية :
واقع لابد أن يتغير
د. علي الحمادي
لقد منَّ الله على أمتنا "أمة الإسلام" بأن جعلها خير أمة
أخرجت للناس، حيث قال تعالى:
كنتم
خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله
(آل عمران).
فهي الأمة التي عجز التاريخ عن تسطير
أمجادها، وهي الأمة التي رعاها ربُّها
وتكفل بها خالقها، فسادت الدنيا، وصنعت
البطولات، وهندست الحياة، وقادت البشرية، وحفرت بصماتها المباركة في مشارق الأرض
ومغاربها، وعبرت القارات والقرون، ودانت لها رقاب
الجبابرة، وارتجف لعظمتها القياصرة
والأكاسرة،
وصدق فيها قول القائل:
ملكنا هذه الدنيا قرونا
وسطرنا صحائف من ضياء
ولكن الحال لم يستمر كما كان في زمن
أسلافنا، بل تبدَّل، فأصبحنا تبعاً
لغيرنا، وأصبح ولاء كثير من أبناء جلدتنا
لأعدائنا، وأصبح دمنا أرخص الدماء، وأصبحنا الأيتام على مأدبة
اللئام، بل أصبحنا ألعوبة بيد الشرق
والغرب، إذ سفكت دماؤنا، ودُنِّست
مقدساتنا، وهُتكت أعراضنا، ونُهبت
ثرواتنا، ويُتِّم أبناؤنا، وثُكلت
نساؤنا، واحتلت ديارنا، فلم يعد لنا أثر
أو تأثير، ولا واقع مشرف كريم.
انظر إلى واقع الدول العربية والإسلامية، وتأمل التقارير والإحصاءات التي
تنشرها المنظمات والهيئات العربية والإسلامية والدولية لتتعرف على عمق
المأساة التي تعانيها أمتنا.
هل تعلم أن نصف سكان العالم العربي ممن تجاوزت أعمارهم (15)
عاماً أميون
"حسب تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام 2002م"، وأن هناك 70 مليون
مواطن عربي أمي، ثلثاهم من الأطفال والنساء "حسب تقرير منظمة اليونيسيف"؟!.
هل تعلم أن ما تنفقه دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل" على البحوث التطبيقية
يعادل (20) ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث
التطبيقية؟!!.
هل تعلم أن حصة الدول العربية مجتمعة من المقالات المنشورة في الصحف
العالمية لا تتعدى (1%) في حين أن حصة ألمانيا وحدها من هذه المقالات تزيد
على (7%)؟!.
هل تعلم أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في سنة (2001) في الدول العربية
مجتمعة لا يكاد يتجاوز (70) براءة اختراع، في حين أن عدد براءات الاختراع
في نفس السنة للكيان الصهيوني (1031) براءة
اختراع، وفي اليابان (35) ألفاً، وفي أمريكا (99)
ألفاً، وفي ألمانيا (12) ألف براءة اختراع، وفي
تايوان (6500).؟!!
هل تعلم أن إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا فقط أكبر من إجمالي الناتج
القومي لجميع الدول العربية "حسب تقارير 2001م"؟!.
هل تعلم أن مبيعات شركة "جنرال موتورز" أكبر من الناتج المحلي لإندونيسيا
"لسنة 2001م" والتي يبلغ تعداد سكانها "220"
مليوناً؟!!.
هل تعلم أن مبيعات شركة "سوني" أكبر من الناتج المحلي لمصر "لسنة 2001م"
والتي يبلغ تعداد سكانها (70) مليوناً؟!.
هل تعلم أن مبيعات شركة (IBM)
(لسنة 2001م) تكاد تقارب الناتج المحلي
لماليزيا؟!.
هل تعلم أن مؤشر الشفافية "الذي كلما ارتفع لما
دلَّ على أن الفساد قليل"،
لأحسن دولة إسلامية "ماليزيا" لا يتجاوز (5) من (10)، في حين أن
كثيراً من
الدول الإسلامية لا يتجاوز هذا المؤشر فيها (2) من (10)، حسب تقرير المنظمة
الدولية للشفافية، التي مقرها ألمانيا، وهذا يدل على أن
كثيراً من الدول
العربية والإسلامية تسبح في محيطات مظلمة من
الفساد، فيا للعجب!!.
هل تعلم أن إجمالي الناتج العالمي سيزداد (300) مليار دولار
تقريباً عندما
يتم تطبيق اتفاقية التجارة العالمية، وبعد إزالة جميع الحواجز التي تقف
أمام هذه الاتفاقية، وستكون هذه الزيادة موزعة "كما ذكرت إحدى الدراسات"
كالتالي: نصيب الصين (61) مليار دولار، ونصيب الولايات المتحدة الأمريكية
(36) مليار دولار، في حين أن نصيب جميع الدول النامية "وهي 120 دولة" والتي
تنتمي إليها الدول العربية والإسلامية هو (17) مليار دولار فقط!.
إنني بذكر هذه المعلومات أريد أن أشعل الحماس في نفوس أبناء هذه الأمة
المباركة، هذه الأمة التي ستبقى بإذن الله نابضة
بالحياة، محدِّقة ببصرها
إلى السماء، منتظرة اللحظة التي تحطم فيها
أغلالها، وهي آتية، بإذن الله،
لا محالة.
إنني أذكر هذه المعلومات لأستنهض هذه الأمة من
جديد، وكم تعجبت من قصة عجوز
من بني إسرائيل، أبت إلا أن تكون مع نبي الله موسى عليه السلام في
الجنة،
في موقف منهض للهمة، مشعل للحماس، فما أروع هذه
النماذج، وما أحوج الأمة
إلى أمثالها.
فعن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبيُّ {
أعرابياً، فأكرمه فقال له:
"ائتنا"، فأتاه، فقال رسول الله {: "سل حاجتك"، فقال: ناقة
نركبها، وأعنزاً
يحلبها أهلي.
فقال رسول الله {: "عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل"؟ قالوا: يا رسول
الله، وما عجوز بني إسرائيل؟
قال: "إن موسى لما سار ببني إسرائيل من
مصر، ضلُّوا الطريق، فقال: ما هذا؟
فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموت، أخذ علينا
موثقاً من الله ألا نخرج
من مصر حتى ننقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع
قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث
إليها، فأتته، فقال: دليني على قبر يوسف، قالت: حتى تعطيني
حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أكون معك في الجنة.
فكره موسى أن يعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها
حكمها، فانطلقت بهم إلى
موضع مستنقع ماء، فقالت: أنضبوا هذا
الماء، فأنضبوا، قالت: احتفروا
واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلوها إلى
الأرض، إذا الطريق مثل ضوء النهار".
(حديث حسن رواه أبويعلى في مسنده، وابن حبان في
صحيحه، وصححه الحاكم).
شتان بين همة وطموح وسمو هذه المرأة رغم كبر
سنها، وبين همة وطموح ذلك
الأعرابي الذي شهد سباقاً للخيول، فسبق
فرس، فطفق يكبر ويثب من الفرح، فقال
له من بجانبه، أهذا فرسك؟ قال الأعرابي:
لا، ولكن اللجام لي!!.
إن هذه المستويات المتواضعة لا يمكن أن تبني
أمة، أو تصنع حضارة، أو تحدث تأثيراً، وصدق صالح بن عبدالقدوس حينما قال:
إذا أنت لا تُرجى لدفع مُلمَّة
ولا أنت ذو جاه يُعاش بجاهه
فعيشك في الدنيا وموتك واحد
لقد تأملت كثيراً في واقع هذه الأمة، وآلمني ما آل إليه
أمرها، كما تأملت
في كتاب الله وفي سنة رسوله وفي تاريخ المسلمين فأيقنت أن ثمة
خللاً أودى
بهذه الأمة، وأن أمتنا أمة قوية بقوة الله ثم بقوة المنهج الرباني وما فيه
من حق وصلاح، وأن نهوضها من جديد أمر ممكن بإذن الله
تعالى، ولكن السؤال: كيف؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في المقالات القادمة.
الحلقة الثالثة :
مهندسو التأثير والنقاط السبع
من الذي يمكنه قيادة الآخرين والتأثير فيهم وصناعة الحياة
وإحداث طفرات نوعية في واقع الناس؟ سؤال مهم يحتاج إلى تأمل ودراسة وتفكير.
تُرى هل هم أصحاب الشهادات العُليا؟ أم هم أصحاب المناصب والجاه والمستويات
الاجتماعية الرفيعة؟ أم هم ذوو المال ورجال
الأعمال؟ أو ربما هم أصحاب
الأجسام القوية والوجوه الوسيمة الجميلة؟ أم أنهم أولئك الذين صقلتهم
الأيام وحنكتهم التجارب؟ أم الأذكياء والعباقرة
الأفذاذ؟ أم غيرهم؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال نود الإشارة إلى أنه ما من إنسان إلا ويتمنى أن
يكون شيئاً مهماً في هذه الحياة، ولو أنك جئت إلى صعلوك لا قيمة له وقلت
له: يا صعلوك أو يا تافه، لسبّك وشتمك.
ولو ناديت جاهلاً قابعاً في ظلمات الجهل وقلت له: يا
جاهل، لربما صفعك على
وجهك صفعة أطارت الشرر من عينيك، ذلك لأن أمنية كل إنسان أن يكون له وزن في
دنيا الناس، وأن يُعدَّ رقماً صعباً لا
صفراً لا قيمة له.
إن الإجابة عن السؤال سالف الذكر تحتاج منا إلى تبيان
وتوضيح، ويمكن أن
يكون ذلك في النقاط السبع التالية:
زكاة النِّعم
يقول الله تعالى مبيناً نعمه التي لا تعد ولا تحصى:
وآتاكم
من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار
(34)
(إبراهيم).
إن الله قد يهب بعض الناس نعمة أو نعماً كثيرة مثل:
وجاهة، مؤهل أكاديمي، منصب، مال، ذكاء،
وسامة، قوة جسدية، أو غير ذلك، وكلما زادت هذه النعم كان
لزاماً على الإنسان أن يؤدي حقها، وحقها بإنفاقها لا
بحبسها، أي:
باستخدامها لما فيه النفع للآخرين.
كنوز كامنة
كل نعمة من النعم سالفة الذكر قد يكون لها تأثير إيجابي كبير في تمكين
صاحبها وزيادة تأثيره في الحياة، لذا يحسن بالعاقل
استثمارها، وإلا فهي
كنوز كامنة معطلة ينظر إليها صاحبها ولا يتذوق حلاوتها.
وفي هذا يقول الله تعالى: فكلوا
مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون
114
(النحل).
دافع ذاتي
كثير من الناس لا يمتلكون الدافعية الذاتية التي يمكنهم بها تفجير طاقاتهم
وتسخير إمكاناتهم لتحقيق واقع مشرِّف لهم
ولأمتهم، وفي هذا يقول شوقي:
شباب خنَّع لا خير فيهم
ويقول حافظ إبراهيم:
لعل في أمة الإسلام نابتة
حتى ترى بعض ما شادت أوائلها
ويقول الرسول {: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره
فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن علمه فيما عمل
به، وعن ماله من أين
اكتسبه وفيم أنفقه؟" (رواه مسلم عن أبي برزة الأسلمي).
النجاح الحقيقي
إن النجاح الحقيقي الذي يحق لصاحبه الافتخار به هو ذلك النجاح الذي صنعه هو
ببذله وجهده وطول عنائه بعد توفيق الله
له، أما الذي يفخر بأمجاد آبائه
وأجداده التي ولَّت وهو لا يصنع شيئاً ولا يستكمل هذه الأمجاد أو يضيف
إليها ما يحفظها ويرفعها، فهذا مسكين يستحق الرثاء
والشفقة، وصدق ابن هانئ
الأندلسي حينما قال:
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه
وبالهمة العلياء يرقى إلى العلا
ولم يتأخر من يريد تقدما
VIP
إن من عدالة الله عز وجل في خلقه أنه لم يجعل الغلبة والقيادة والتأثير
وصناعة الحياة حكراً على فئة (VIP)
(أو الناس المهمين جداًٍ)، وإنما رفع
أناساً لم يكن لهم ذكر، وأعز أقواماً
لم يكونوا سادة القوم، وقدَّم نفراً من الناس كانوا في
المؤخرة، وأخرج من
بين الضعفاء أئمة وقادة، إذ الضعيف لا يظل
ضعيفاً طوال حياته، والقوي لا
تدوم قوته أبد الآبدين، وصدق الله تعالى إذ يقول:
ونريد
أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (5)
ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون (6)
(القصص).
عقدة النقص
إن أسوأ ما يُبتلى به المرء أن يصاب بعقدة
النقص، فيشعر أنه غير مؤهل
للتأثير وصناعة الحياة، وأنه ناقص، ولا يمكن له استكمال نقصه وسد
ثغراته،
فيشعر بالدون، ويتبادر إلى ذهنه دائماً أن غيره أكمل منه وأقدر على قيادة
الحياة، ولذا تراه منطوياً على نفسه،
منكسراً في ذاته، مُكبلاً بأوهامه،
عاجزاً عن فعل أي شيء حتى لو كان بإمكانه فعله.
ولم أر في عيوب الناس عيباً
يقول "كونفوشيوس": إن ما يثير قلقي هو ألا أتحسن في مجالات
تفوقي، وألا
أستفيد من كل ما درسته، وأن أعرف ما الشيء الملائم والصحيح ولا أستطيع أن
أتغيّر لأحقِّقه، وأن أكون غير قادر على معالجة مواطن إخفاقي وعجزي.
تلك كلمة جميلة سطرها الحكيم الصيني "كونفوشيوس"، تحمل في طياتها معاني
كثيرة، وتنم عن حرص على تغيير الواقع ومعالجة
ثغراته، رغبة في صناعة
التأثير وإحداث شيء نافع في واقع الناس.
الصدر أو القبر
إن صناعة التأثير إنما تنبع من ذات الإنسان مهما كانت مؤهلاته الأكاديمية
أو قدراته العقلية أو منصبه الوظيفي أو مستواه الاجتماعي أو خبرته الحياتية
أو جنسه أو سنِّه أو إمكاناته المادية أو غير ذلك.
إن أمثال هؤلاء النفر لا يقر لهم قرار ولا تهنأ لهم حياة حتى يجدوا أنفسهم
في المقدمة، ويروا تأثيرهم قد بلغ الآفاق،
وعمّ نفعهم هنا وهناك، بل ونُقشت
بصماتهم في واقع الناس، ولسان حالهم يقول:
ونحن أناس لا توسط عندنا
تهون علينا في المعالي نفوسنا
بعد النقاط السبع سالفة الذكر، يتبين لنا أن إحداث التأثير، وصناعة الحياة،
والنهوض بالأمم والمجتمعات يمكن بعد توفيق الله تعالى أن يساهم فيه، بل
ويتصدره كل إنسان احترم قدراته واعتنى بنفسه وارتفعت همته وعلت طموحاته،
مهما كانت نواقصه وكَثُرت ثغراته، فالأمر فيه سعة، ولا يحق لنا تضييقه أو
تحجيمه.
الحلقة الرابعة :
المال.. وصناعة التأثير
د. علي الحمادي
كم سمعنا عن أُناس كانوا لا يملكون شيئاً ثم أصبحوا بعد
سنوات من كبار الأغنياء أو من سادة الناس، وكم رأينا من وزراء ومسؤولين
كبار كانوا قبل سنوات خدماً في بيت، أو موظفين صغاراً في مؤسسة لا يكاد
راتب أحدهم يفي بحاجاته الضرورية ثم أصبحوا من علْية القوم والمؤثرين فيهم.
إن مثل هذه النماذج كثيرة ومتكررة عبر التاريخ، وهي اليوم واقع يعيشه الناس
ويعرفون أصحابه.
إن الملك بيد الله تعالى يهبه من يشاء بغير حساب، وإن المال لله تعالى،
يعطيه من يشاء، وهو ليس حكراً على نفر من الناس، وإنما الأيام دوَلٌ بين
الناس، من سرَّه زمن ساءته أزمان.
يقول الله تعالى:
قل
اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على" كل شيء قدير
(26)
(آل عمران).
يذكر لنا التاريخ أن محمد المهلبي كان فقيراً معدماً لا يملك قوت يومه، حتى
إنه سافر ذات مرة فأخذ يتمنى الموت من شدة فقره ويقول:
ألا موت يباع فاشتريه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي
إذا أبصرت قبراً من بعيد
ألا رحم المهيمن نفس حرٍّ
فقام صاحب له وأعطاه درهماً. ثم تمر الأيام ويعتني المهلبي بنفسه ويجتهد
ويترقَّى في المناصب حتى أصبح وزيراً، وضاق الحال بصاحبه "الذي أعطاه
درهماً" فأرسل رقعة إلى محمد المهلبي كتب فيها:
ألا قل للوزير فدته نفسي
أتذكر إذ تقول لضنك عيش
فلما قرأ محمد المهلبي الرقعة أمر له بسبعمائة درهم، ثم كتب أسفل الرقعة
قوله تعالى: مثل
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة
مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم
261
(البقرة)، ثم قلده عملاً يسترزق منه.
تُرى هل ركن المهلبي إلى فقره ورضخ إلى حاله البائس؟ أم أن نفسه التائقة
إلى السمو دفعته كي يكون شيئاً مؤثراً له قيمة ووزن في هذه الحياة.
إن فقره وضيق حاله لم يمنعاه من المساهمة في هندسة الحياة وإحداث التأثير
الذي أراده هو لنفسه.
وبالمثل، أن يتحول تلميذ عبقري تحت ضغط الظروف المعيشية الصعبة إلى "عامل
بناء" ليعول أسرة من (13) فرداً هي حكاية عادية، لكن غير العادي أن يظل
شيئاً ما يهتف داخله ويقول له: لم تخلق لهذا، ويظل الصوت يعلو رويداً
رويداً إلى أن يُصنف الفلسطيني "ماجد إغبارية" عام 1997م، الباحث الأول
عالمياً في مجال الأنظمة المعلوماتية وحتى آخر يوم في حياته 3 أغسطس 2002م.
فقد ولد البروفيسور "ماجد حردان إغبارية" في 16 فبراير عام 1958م في قرية
معاوية، بمدينة أم الفحم فلسطين 48، لوالدين فقيرين.
فقد ماجد والدته عام 1967م، وعلى الرغم من أنه لم يكن الأكبر فإنه تحمل
المسؤولية كاملة، حيث خرج للعمل ولم يتجاوز عمره 14 عاماً، ليساهم في
الإنفاق على أشقائه الخمسة وشقيقاته السبع.
عمل في البناء كأي فتى فلسطيني فقير، بل إنه اضطر تحت وطأة الحاجة وبعد أن
أنهى المرحلة الثانوية أن يتوقف عن الدراسة لعام كي يعمل.
بدأ ماجد عام 1978م مشواره الأكاديمي في الجامعة العبرية بالقدس ليحصل على
البكالوريوس بامتياز في تخصص "الإحصاء والاقتصاد"، وبعدها بعام عُين معيداً
في الجامعة، ثم أكمل دراسة الماجستير بتخصص "إدارة الأعمال" ثم الدكتوراه
تخصص "الأنظمة المعلوماتية".
بعد ذلك بدأ اسم البروفيسور ماجد يلمع وأثره ينتشر عالمياً، فقد أدار وترأس
17 مؤتمراً دولياً حول الأنظمة المعوماتية، ومنذ عام 1991م حصل على عدد من
المراكز الأولى "دولياً" في الحقل البحثي تم رصدها في دراسات عالمية، فمن
كان يتوقع لعامل البناء الفقير هذا أن يتحول إلى عالم فذ ومؤثر متمكن في
الأنظمة المعلوماتية؟
إن المطالع لمسيرة الرجل العلمية سيفاجأ بكم هائل من الإشادات، فيكفي أنه
في أكثر من أربع دراسات قامت بها أربع دوريات بحثية متخصصة، احتل المركز
الأول كأكثر الباحثين في مجال الأنظمة المعلوماتية نشراً للأبحاث في الفترة
من (1981م 1991م) ثم أعيد تصنيفه أيضاً ليكون الباحث الأكثر إنتاجاً في
مجاله للفترة من (1991م 1997م)، وكان دائماً الفارق واسعاً بينه وبين من
يليه من الباحثين.
ففي الدراسة الأخيرة التي قامت بها الدورية الخاصة ب"جمعية نظم المعلومات"
AIS
بعنوان "تقييم للإنتاجية البحثية في الحقل الأكاديمي لتكنولوجيا
المعلومات"، وصل عدد أبحاثه المنشورة إلى (23) بحثاً بمقدار تقييمي
(10.58)، في حين وصل عدد أبحاث من تلاه مباشرة إلى (13) بحثاً منشوراً
بمقدار تقييمي (6.5).
ولقد كانت وصيته الأخيرة لأهله وأقاربه قبل سفره الأخير إلى الولايات
المتحدة قوله: "صلوا... صلوا... صلوا..." وكأنها صدى وصية الرسول صلى الله
عليه وسلم وهو على فراش الموت.
وعندما حصل ماجد على الدكتوراه كان يقوم ببناء مدرسة أهلية ومسجد للجالية
الإسلامية في كليرمونت بالولايات المتحدة، ورفض تماماً أية محاولات لتخليه
عن الصيام، رغم أن الأطباء منعوه عنه بسبب إصابته بمرض السرطان.
وانظر إلى مثل ثالث وهو رجل أعمال سوداني ثري اشتهر ب"ولد الجبل" ذاع صيته
داخل السودان، لما سئل عن بداياته قال: كنت شاباً صغيراً أحمل جالوناً أبيع
فيه الماء في الأسواق طيلة اليوم، ثم اشتريت حماراً أبيع عليه الماء، ثم
اشتريت سيارة أنقل بها البضائع بين الأسواق، ثم وسع الله عليَّ حتى أصبحت
واحداً من أكبر رجال الأعمال في بلدي.
وانظر كذلك إلى قصة امرأة أسكتلندية تزوجت ثم طُلقت بعد أن أنجبت طفلة،
وكان مستواها المادي متواضعاً، فقامت بتأليف مجموعة قصصية باسم "مغامرات
هاري بوتر" فأدى ذلك إلى تحولها إلى امرأة ثرية تجري الأموال من بين يديها
ومن خلفها.
ويجدر بنا التنبيه هنا إلى أن المال "رغم أهميته" ليس هو كل شيء، ولا هو
العنصر الحاسم في صناعة التأثير وهندسة الحياة، وإنما هو أحد العناصر
المهمة، ويمكن "في كثير من الأحيان" الاستعاضة عنه بعناصر أخرى: كالعلم،
ومهارة الإقناع، والذكاء، والحنكة السياسية، وقوة العلاقات، وغيرها من
العناصر.
الحلقة الخامسة :
التأثير ومنهج ابن اليمان
د. علي الحمادي
إن هندسة التأثير أمر متاح للجميع، ولكن لها مستلزمات
ومتطلبات، ومن مستلزماتها أن يقتنع الإنسان أنه قادر على ذلك، وأن تكون
رؤيته لنفسه ولمستقبله واضحة جلية لديه، وأن يتخذ قراراً حازماً للوصول
إليها، وأن يبدأ المشوار بجد واجتهاد، وقبل هذا وذاك أن يتوكل على الله
ويستعين به.
إننا جميعاً مدعوون إلى التسابق في هذا المضمار، إذ إنه مضمار خير ونفع
للفرد والمجتمع، بل وللبشرية بأسرها، وصدق خالق السماوات والأرض إذ يقول:
سابقوا
إلى" مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله
ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
(21)(الحديد).
ويقول الله تعالى: وعجلت
إليك رب لترضى" 84(طه).
ويقول الشاعر:
دعي نفسي التكاسل والتواني
وإلا فاثبتي في ذا الهوان
فلم أر للكسالى الحظ يُعطي
سوى ندم وحرمان الأماني
ويقول الشاعر وهو يوصي ابنه جبيلاً:
أجبيل إن أباك كارب يومه
فإذا دعيت إلى العظائم فاعجل
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح
طبن بريب الدهر غير مغفل
ويُحسن بنا الإشارة إلى أهم العوائق التي تحول بين المرء وبين إحداث تأثير
نافع فذّ في هذه الحياة، وذلك للتحذير منها والتنبيه إلى خطورتها وكذلك إلى
ضرورة التخلص منها ومعالجتها، متخذين في ذلك منهج الصحابي الجليل حذيفة بن
اليمان الذي كان يسأل عن الشر، لا حباً فيه وإنما رغبة في الحذر والتحذير
منه، حتى لا يقع هو فيه أو يُبتلى فيه أحد المسلمين.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا
رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا
الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه
دخن"، قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت:
فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم
إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا
ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "انظر جماعة
المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك
الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
ويقول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
أما بخصوص عوائق التأثير والعقبات التي يمكن أن تعترضه فهي كثيرة، ولكن
أهمها عشرون وهي:
1 عدم توفيق الله تعالى، ومن حُرم توفيق الله تعالى فقد وُكل إلى نفسه، ومن
وكل إلى نفسه خاب وخسر.
2 التردد وعدم الحزم في اتخاذ القرارات اللازمة لصناعة التأثير.
3 الخوف من المجهول أو من الآثار المتوقعة لصناعة التأثير.
4 عدم الاقتناع بأهمية وضرورة أن يكون الإنسان مؤثراً وصانعاً للحياة.
5 ضعف الهمة وانعدام الطموح.
6 الخجل من مزاحمة المؤثرين أو المساعدين على التأثير وعدم ولوج مجالسهم
ومنتدياتهم، والابتعاد عن محاورتهم ومناقشتهم.
7 الشعور بالنقص والدونية.
8 الاستسلام للفشل، وانعدام نفسية التحدي، وعدم المثابرة حتى آخر رمق.
9 القناعة المزيفة التي تؤدي بصاحبها إلى الرضى بالدون.
10 مجالسة الكسالى والتأثر بهم.
11 عدم المحاولة، والبعد عن التجريب.
12 التعود على الإمعية والتبعية وتربية الذات "أو الجيل" عليها.
13 القهر والاستبداد وكتم أنفاس البشر وعدم ترك المجال لهم للتعبير عن
آرائهم وقناعاتهم.
14 الجهل وعدم تطوير الذات، مما يحول دون فهم وإدراك مجالات التأثير
وأدواته وفرصه وأساليبه وطرقه ووسائله.
15 اليأس والإحباط من الواقع الخاص أو العام.
16 انعدام الجدية، والتعامل مع الحياة بصورة مائعة هزلية.
17 الاهتمام بصغائر الأمور وإهمال عظائمها.
18 الاستعجال في قطف الثمرة، والتسرع في إصدار الأحكام على الأشخاص أو
القضايا وعدم القدرة على استيعاب الأوضاع والتكيف مع المستجدات بشيء من
التعقل والتروي والأناة.
19 التربية الخاطئة وضيق الصدر.
20 الحماقة وقلة العقل، وصدق من قال:
لكل داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
الحلقة السادسة :
رجل..
ونصف رجل.. ولا شيء
د. علي الحمادي
من الطرق السهلة التي يمكنك بها هندسة التأثير أن تستفيد من
شخص مؤثر، وذلك بالالتصاق به والاستفادة من علمه وموقعه ومهاراته وحماسه
والفنون التي يجيدها وكذلك من آرائه واقتراحاته، فالصاحب ساحب، "والمرء على
دين خليله".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك
إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير
إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة".
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقيل: "الناس: رجل، ونصف رجل، ولا شيء، فالرجل من له رأي صائب ويشاور، ونصف
الرجل من له رأي صائب ولا يشاور أو يشاور ولا رأي له، ولا شيء هو من لا رأي
له ولا يشاور".
ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من الأصحاب الذين تربطهم به
علاقات قوية، ولكن نفراً منهم التصق به التصاقاً قوياً حتى كان بعضهم لا
يفارقه إلا حين النوم، ولذا كانت أكثر الأحاديث التي وردت عن النبي صلى
الله عليه وسلم رواها هؤلاء الملتصقون به كأبي هريرة وعبدالله بن مسعود
وعبدالله بن عمر وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا
يحدثون مثله! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان إخواني
من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرءاً مسكيناً من مساكين الصفة، ألزم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين
ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوماً: "إنه لن
يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقوله"،
فبسطت نمرة عليَّ، حتى إذا قضى مقالته، وجمعتها إلى صدري، فما نسيت من
مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء".
وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كان من أكثر الصحابة التصاقاً
برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السابقين الأولين، ومن النجباء
العالمين، شهد بدراً، وهاجر الهجرتين، ومناقبه غزيرة وروى علماً كثيراً. عن
مسروق قال: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما
أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب
الله إلا أنا أعلم فيمن نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه
الإبل لركبت إليه.
وهناك كثير من العلماء من جمهور التابعين وتابعيهم كانوا أشد الناس حرصاً
على الالتصاق بشيوخهم، ليأخذوا عنهم الحديث والفقه واللغة والأدب وغيرها من
العلوم والفنون.
فقد وصل عدد شيوخ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الذين كتب عنهم (1080)
شيخاً، منهم أحمد بن حنبل، ومحمد بن عيسى الطباع، وإسحاق بن منصور. وأما عن
تلاميذه الذين التصقوا به فعلى رأسهم الإمام مسلم، والترمذي، وابن خزيمة،
والبغوي والنسفي.
وكذا الإمام مسلم فقد وصل عدد شيوخه إلى أكثر من (220) شيخاً، منهم: الإمام
أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى ابن معين، والدارمي، والبخاري، وابن
حميد. وأما عن تلاميذه الذين لازموه وأخذوا عنه فهم كثير، منهم: الفراء،
وأبوحاتم الرازي، وابن خزيمة، والترمذي.
ورغم أهمية الاتصال بهؤلاء المؤثرين والالتصاق بهم إلا أنه ينبغي لصانع
التأثير ألا يذوب فيهم، وألا يفقد شخصيته عندهم، وألا يكون كالميت بين يدي
المغسِّل، وألا ينسى هدفه الرئيس الذي من أجله التصق بهم، وإنما عليه أن
يستثمر صلته بهم من أجل تفعيل مشروعه التأثيري النافع وتسريعه وإنجازه
بيسر.
لما قدم السلطان عبدالعزيز مصر، وزار الجامع الأزهر، صحبه الخديوي إسماعيل
فلحظ الخديوي على شيخ بالجامع كأنه غير مهتم، فهو مسند ظهره، ماد رجله،
فأسرع بالسلطان عنه، ثم كلف أحد رجاله أن يذهب له بصرة، يريد أن يعرف حاله،
فلما جاء الرسول ليعطيه قبض الشيخ عنه يده، وقال له: قل لمن أرسلك: إن من
يمد رجله لا يمد يده.
ويقول روبرت غرين: ابق مترفعاً وسيأتي الناس إليك، إذ سيصبح كسب عواطفك
نوعاً من التحدي لهم، وما دمت تقلّد الملكة العذراء وتذكي آمالهم فإنك ستظل
مغناطيساً يجتذب الاهتمام والرغبة.
وعند حديثنا عن هذا النوع من الاستثمار فإننا لا نقصد به استغلال هؤلاء
المؤثرين لمصالح شخصية محدودة وإنما استثمارهم لمصلحة الأمة، خاصة ونحن
عندما نتكلم عن صناعة التأثير وهندسة الحياة فإننا نقصد به التأثير
الإيجابي النافع لا التأثير السلبي الضار.
وهنا نقول: إذا أردت أن تكون خطيباً مؤثراً فالتصق بخطيب مؤثر واستفد من
أسلوبه وأخلاقه وحماسه، ولكن لا تكن نسخة طبق الأصل منه، لأن الناس لا
يحترمون التقليد وإنما يحترمون الأصل ويقدرونه، ولذا يحسن بك تجنب نواقص
هذا الخطيب وأخذ أفضل ما عنده، ومن ثمَّ إضافة شيء من عندك لتتميز به عنه،
فيكون لك طعمك الخاص ولونك الفاقع ورائحتك المميزة، وقس على ذلك بالنسبة
للالتصاق بالأنواع الأخرى من المؤثرين.
الحلقة السابعة :
أصعب أنواع التغيير
د. علي الحمادي
القدرة على تسويق الأفكار مهارة مهمة يحتاجها صناع التأثير
ويتقنها كل رقم صعب في دنيا الناس، ولسنا هنا بصدد الكلام عن نظريات بهذا
الشأن، ولكنني سأورد قصة واحدة لرسولنا محمد { استطاع فيها أن يحدث تغييراً
يعتبر أصعب أنواع التغيير، وهو تغيير العقيدة والدين.
تأمل معي من خلال هذه القصة قدرات النبي { في تبليغ دعوة ربه وتسويق ما
أمره الله به مع عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه ومن قبله أخته الصحابية
الجليلة سفانة رضي الله عنها، التي أسلمت وحسن إسلامها بعد أن وقعت أسيرة
في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما غزا طيئاً.
القصة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (8-294) والزبيدي في إتحاف السادة
المتقين (7-94) وذكر بعضها الإمام الترمذي في كتاب تفسير القرآن:
عندما قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه طيئاً، وقبل أن يأمر بقتال أهل طيئ
قال لهم: قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم.
فقالت النساء لسفانة: إنهم يرثون النساء كما تورث الإبل.
فقالت: سفانة: كيف؟
قال النساء: لأنها لا ترث شيئاً من أموال الأهل.
قالت سفانة: هل يمضون بي سبياً؟ لو فعلوا ذلك لقتلت نفسي، فقالت لها إحدى
النسوة: من يدخل الإسلام لا يؤخذ سبياً، ألم تسمعي ابن أبي طالب يقول:
قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم؟
وارتفع صوت علي بن أبي طالب: الأسر، الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع، وأصابت
خيل رسول الله { ابنة حاتم في سبايا علي، فقُدم بها على رسول الله { فجُعلت
عند باب المسجد، فمر بها النبي { فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة، فقالت: يا
رسول الله، هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ منَّ الله عليك.
فتساءل رسول الله {: "ومن وافدك؟"، قالت سفانة: عدي بن حاتم، فقال رسول
الله {: "الفار من الله ورسوله"؟، ومضى النبي {، فلما كان الغد مر بها،
فقالت له مثل ذلك، فرد عليها بمثل جواب الأمس، فلما كان اليوم الثالث، مرّ
بها رسول الله {، وقد يئست منه، فأومأ إليها رجل من خلفه: قومي فكلميه.
قامت سفانة فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد وغاب الوافد، وأنا عجوز كبيرة
ما بي من خدمة، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي
سيد قومه، كان يفك العاني، ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام،
ويفشي السلام، ولم يطلب إليه طالب قط حاجة فرده، أنا ابنة حاتم الطائي،
فامنن عليَّ منَّ الله عليك.
فقال لها رسول الله {: "قد فعلت، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون
لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني"، ثم قال لأصحابه: "خلوا عنها فإن
أباها كان يحب مكارم الأخلاق".
فسألت سفانة عن الرجل الذي كان يسير خلفه وأشار إليها أن كلميه فقيل لها:
علي بن أبي طالب.
وأقامت سفانة حتى قدم رهط من قومها فيهم ثقة وبلاغ فقالت: يا رسول الله،
قدم رهط من قومي فيهم ثقة وبلاغ، فمنَّ عليها { بالحرية وأعطاها عطاء
جزيلاً وكساها وأعطاها نفقة وحملها على بعير، فقالت سفانة: شكرتك يد افتقرت
بعد غنى، ولا ملكتك يد اغتنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل
لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة كريم إلا وجعلك سبباً لردها عليه.
وخرجت مع الرهط حتى قدمت الشام، وبينما عدي بن حاتم قاعد في أهله فنظر إلى
ظعينة (أي امرأة في هودج) تصوب إلى قومه فقال: ابنة حاتم؟ قالت سفانة:
وعورته! القاطع الظالم، فررت بأهلك وولدك وتركت بنية والدك!
فقال عدي: أي أُخية، لا تقولي إلا خيراً، فوالله ما لي من عذر، لقد صنعت ما
ذكرت، ثم عاد يتساءل: ماذا ترين في أمر هذا الرجل، يعني "رسول الله {"؟
قالت سفانة: أرى والله أن تلحق به سريعاً، فإن يكن الرجل نبياً فللسابق
إليه فضله، وإن يكن ملكاً فلن تزال في عز اليُمن وأنت أنت، فقال عدي: والله
إن هذا للرأي.
قالت سفانة: لقد فعلت فعلة لو كان أبوك موجوداً لفعلها، ابتدر راغباً أو
راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه، فقال عدي: إني
لأرجو الله أن يجعل يدي في يده.
وانطلق عدي قاصداً مدينة رسول الله {، فلما بلغها، وجده في المسجد، فسلم
عليه، فقال له: "من الرجل"؟ فقال: عدي بن حاتم، جئت من نفسي بلا أمان أو
كتاب، فأخذ بيده رسول الله {، ومضى به إلى بيته، وفي الطريق لقيته امرأة
ضعيفة كبيرة فاستوقفته تكلمه طويلاً.
فقال عدي: والله ما هذا بملك، فلما دخلا البيت، رمى إليه رسول الله {
بوسادة من أدم محشوة ليفاً وقال له: "اجلس عليها"، فقال عدي: لا بل أنت
فاجلس عليها، قال: "لا بل أنت"، ثم جلس رسول الله { على الأرض.
فقال عدي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال له رسول الله {: "إيه يا عدي بن
حاتم، ألم تك ركوسياً"، قال عدي: بلى، فقال: "أو لم تكن تسير في قومك
بالمرباع"؟ فقال عدي: بلى، قال: "فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك"، قال عدي:
أجل والله، وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يُجهل.
ثم قال رسول الله {: "لعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك من الدخول في هذا
الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من
يأخذه، ولعله إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة
عددهم! فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى
تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله، ولعله إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى
أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من
أرض بابل قد فتحت".
ثم قال رسول الله { لعدي: "ما يُفِرُّك! أيفرك أن تقول: لا إله إلا الله؟،
فهل تعلم من إله سوى الله؟"" فقال: لا.
ثم قال رسول الله {: "إنما تفر أن يقال: الله أكبر، وهل تعلم شيئاً أكبر من
الله؟" فقال: لا، فقال رسول الله {: "فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى
ضالون"، فقال عدي: إني حنيف مسلم، فانبسط وجه رسول الله {، ثم وكل به رجلاً
من الأنصار فنزل عنده.
أخي الحبيب... تأمل معي هذا الموقف العظيم لرسول الله {، واحرص على إعادة
قراءته والوقوف عند كل موقف، بل عند كل كلمة، لرسول الله {، فستجد فيها
عبراً كثيرة، عض عليها بنواجذك.
الحلقة الثامنة :
هندسة التأثير
النصائح العشرون للسان الموزون
دعلي الحمادي
روى الإمام الترمذي في الحديث الحسن الصحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
قال: قلتُ يا رسول الله أخبرني بعمل يُدخلني الجنة، ويُباعدني من النار؟
قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد
الله لا تُشرك به شيئاً، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجُّ
البيت"، ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تُطفئُ
الخطيئة كما يُطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل"، ثم تلا:
تتجافى"
جنوبهم عن المضاجع
حتى بلغ يعملون
17
(السجدة)، ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه"، قلت: بلى يا
رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد"،
ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه ثم
قال: "كُفَّ عليك هذا" قلتُ: يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟
فقال: "ثكلتك أمك! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد
ألسنتهم؟".
نعم، مازلنا نحذر من خطر اللسان، لذا نظراً لخطورة وأهمية هذا اللسان فإليك
"النصائح العشرون للسان الموزون"، والتي يمكنك بها استثمار هذه الأداة
المهمة للتأثير:
1 زن الكلمة قبل أن تنطق بها، إذ:
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
2 كن عفيف اللسان، وتجنب الكلمات السوقية والفحش من القول: "فإن الله لا
يحب الفحش ولا التفحش" (رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها).
3 تجنب تجريح الأفراد والهيئات واحذر الإساءة إلى الآخرين.
4 لا تكرر كثيراً بعض الكلمات مثل: نعم:
OK،
زين، يعني، في الحقيقة، في الواقع، طيب، آآ، وغيرها.
5 يمكنك استخدام بعض الكلمات والمصطلحات الأجنبية إذا دعت الحاجة إلى ذلك،
ولكن من غير تكلف أو مبالغة، فإن المبالغة في ذلك مستهجنة، لا سيما عندما
يكون المشاركون لا يحسنون هذه اللغة أو لم يعتادوا على سماعها.
6 لا تكن ثرثاراً، وإياك والإطالة، فإن ذلك مدعاة للملل والضجر، كما أن
الكلام ينسي بعضه بعضاً.
7 تكلم العربية الفصحى فإنها لغة العلم، واحذر من رفع المفعول ونصب المجرور
وجر الفاعل، فإن ذلك مثلبة للقول ومدعاة للسخرية.
8 استخدم الأساليب البيانية والسجع غير المتكلف، واحرص على الجمال اللفظي،
فإن ذلك أدعى للانتباه واليقظة والإثارة.
9 تكلم بلغة يفهمها الجميع، واحذر التفلسف بمصطلحات غامضة، فإن ذلك سبب
لفقد انتباه واهتمام الآخرين، وإذا اضطررت إلى استخدام تلك المصطلحات
فاشرحها لهم ابتداء.
10 أخرج الحروف من مخارجها، وانطق الكلمات بوضوح ولا تأكل أواخرها.
11 احذر التكلف في إخراج الكلمات والحروف، والتقعر في نطقها، والتمطيط في
لفظها، فإن الفطرة السوية تمج ذلك وتستهجن صاحبها.
12 تجنب الإكثار من التأتأة، أو التوقف أثناء الحديث، واحذر الكلام الهادئ
الشديد البطء فإنه يبعث السأم في النفوس، والنعاس في العيون.
13 لا تجعل صوتك على وتيرة واحدة، ولكن ارفعه تارة لا سيما في موطن الشدة
والحماسة، واخفضه تارة أخرى لا سيما في مواطن اللين والرحمة.
14 تكلم بصوت جهوري معتدل، فلا تصرخ فتؤذي السامع، ولا تخفض من صوتك فتحادث
نفسك وترهق الآخرين.
15 غيِّر معدل سرعة صوتك أثناء الحديث.
16 كرر بعض الكلمات والعبارات المهمة للتأكيد عليها ولغرسها في الأذهان
وتثبيتها في النفوس.
17 اضغط على بعض الكلمات المهمة وأخرجها بقوة لتميزها عن غيرها ولتلفت
الانتباه إليها، مع ضرورة عدم المبالغة في ذلك "كماً وكيفاً".
18 اجعل لك وقفات أثناء الحديث، لا سيما قبل أو بعد العبارات المهمة أو
الصعبة، واحذر الكلام السريع المتواصل.
19 اجعل الإشارة باليد وكذلك قسمات الوجه منسجمة ومتناغمة مع طبيعة الكلام.
20 اجعل الكلام متناسباً مع طبيعة الحال والزمان والمكان وكذلك مع طبيعة
السامع.
|